يبتغون فَضْلاً من اللَّهِ ورضوانا
 
قال تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه 
( يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً ) الحشر 8 
وقــال صلــى الله عليــه وسلــــم : " إنما الأعمال بالنيات ، 
وإنما لكل امرئ ما نوى " (1)
فأخبر أن صلاح الأعمال وفسادها بالنيات ، وأنـــه يحصــل 
للعبد من الثمرات والنتائج بحسب نيته .
ومعلوم أن جميع العبادات لا تصح إلا بالنية ، بأن ينوي ذلك 
العمل ، ويميز بين العادة والعبادات ، وبين مراتب العبادات .
ثم لابد - مع ذلك - أن يكون القصد منها والغرض : وجه الله 
وثوابه ، وينبغي للعبد في العبادات أن يكون له فيها نية 
مطلقة عامة ، ونية خاصة مقيدة .
فأما النية العامة : فإنه يعقد بقلبه عزما جازما لا تردد فيه , 
أن جميع ما عمله من الأعمال الاعتقادية والبدنية والمالية 
والقولية ، والمركبة من ذلك : 
مقصــود بهـــا : وجــه الله ، والتقرب إليه ، وطلب رضاه ، 
واحتساب ثوابه ، والقيام بما فرضه ، وأحبه الله لعبده .
وأنه عبد مطلق ، يتصرف تصرف العبد المملوك .
فهــذه النية العامة التــي تأتي عـلـــى عقائد الدين وأخلاقه ، 
وأعماله الظاهرة والباطنة , ينبغي أن يجددها فـــي قلبه كـل 
وقــت وحين لتقوى وتتم ، ويكمل الله للعبد مــا نقــص مــن 
عملــه ، ومــا أخـل بــه وأغفله من حقوق العبادات ، لعــل 
الله تعــالى يجزيه على تلك النية الشاملة للدقيق والجليل 
من عمله أجرا وثوابا .
ثــم بعــد تحقيق هذا الأصل الكبير الذي هو أساس الأعمال ، 
ينبغي للعبد أن يتعبد لله بإخلاص في كل جزء مــن أعماله ، 
فيستحضر بقلبه أن يعمله لله ، متقربا به إليه ، راجيا ثوابه 
مــن الله وحــده ، لــم يحمله علــى ذلك العـمــل غرض مــن 
الأغراض، سوى قصد وجه الله وثوابه ، ويسأل ربه تعالى 
أن يحقق له الإخلاص في كل ما يأتي وما يذر ، وأن يقوي 
إيمانه ، ويخلصه من الشوائب المنقصة .
وبهــذه النية الصادقة ، يجعـــل الله البركة في أعمال العبد ؛ 
ويكون اليسير منها أفضل من الكثير، من عمل من خلا قلبه 
من هذه النية .
ثــــم إذا عرضت له العوارض المنقصات ، كالرياء ، وإرادة 
تعظيم الخلق ، فليبادر بالتوبة إلـــى الله ، ويصرف قلبه عن 
هذه العوارض المنقصة لحال العبد، التي لا تغني عنه شيئا، 
ولا تنفعه نفعا عاجلا ولا آجلا .
ثــــم إذا حقق النية في العبادات ، فليغتنم النية في المباحات 
والعادات ، فليجعلها بالنية الصالحة عبادة ، أو قريبة منها .
وذلك بأمرين :
أحــدهما : أن ينوي أن كل مباح يشتغل به ، من أكل وشرب 
وكسوة ونوم وراحة وتوابعها ، يقصـد بـــه الاستعانة علــى 
طاعة الله، والقيام بواجب النفس والأهل والعائلة والمماليك، 
ويقـــول : اللهم ما رزقتني مما أحب ، مــن عافيــة ، وطعام 
وشــراب ولبـــاس ومسكــن وراحة بدن وقلب وسعة رزق : 
فاجعل ذلك خيرا لي ، ومعونة لي على مـــا تحبه وترضاه ، 
واجعل سعيي في تحصيل القوت وتوابعه أداء للأمر ، وقياما 
بالواجب ، واعترافا بفضلك ومنتك علــي ، فإنـــي أعلــم أن 
الفضل فضلك ، والخير خيرك ، وليــس لي حول ولا قوة ، 
ولا اقتدار على شيء من منافعي ودفع مضاري إلا بك .
فيتقرب إلى ربه بالاستعانة بالله في ذلك وبالاعتراف بنعمه ، 
ويقصـد القيام بالواجب ، وباحتساب الأجر والثواب ، حتـــى 
يتحقق بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم " إنك لن تنفق نفقة 
تبتغي بها وجه الله ، إلا أجرت عليها ، حتى مــا تجعــــل في 
فيِّ امرأتك " (2) وقوله صلى الله عليـه وسلـــم " الساعي 
على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله " وأحسبه 
قال " وكالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر " (3)
ثـم مع هذه النية العامة التي تحيط بجميع مباحاته وعاداته ، 
فليستحضر عنـد كــل جـــزء مــن أجزاء عاداته تلك المقاصد 
الجليلة ، ليكون قلبه على الدوام ملتفتا إلى ربه، منيبا إليه ، 
متعبدا ، ويكـــون اشتغاله بذلك الجزء مــن عاداته مصحوبا 
بحسن القصد ، ليتم له الأجر ، وتحصل له المعونة من 
الله ، وينزل الله له البركة ، ويكون مباركا أينما كان .
وليجاهد نفسه على ذلك ، فـإنـه لا يـــزال يمرنها حتى تألف 
الخير وترغب : فــإذا ذهــــب إلى دكانه ، نوى مباشرة البيع 
والشراء المباح ، وقصد الصدق والنصح في بيعه وشرائه ، 
وفعل ما يسهل عليه من محاباة وإحسان إلــى مـن يعامله ، 
وتجنب الغش بكل أنواعه ، ونـوى بذلك كـلــه قوام نفســه 
وعائلته ، ومن له حق عليه ، وسأل ربه أن يبارك له في
معاملته .
وكذلك إذا باشر حرثه، أو صناعته، أو مهنته التي يتعاطاها، 
فليستصحب النية الصادقة، وليستعن ربه في حركاته كلها ، 
ويرج رزقه وبركته ، فإن الرجاء وانتظار الفضل من الله 
من أجل عبادات القلب .
وأكبر الأسباب للبركة هذه النية الصادقة ، والصدق ، 
والتوكل على الله . 
وليعلــم العبــــد أن الله مسبب الأسباب وميسرها ، فإياك أن 
تعجب بنفسك وحذقك وذكائك ، فـــإن هذا هو الهلاك ، وإنما 
الكمال : أن تخضع لربك وتكون مفتقرا إليه ، مضطرا إليه 
على الدوام .
ثم إنه لابد أن تكون الأمور على ما تحب تارة، وعلى ما تكره 
أخرى، فإذا جاءتك على ما تحب ، فأكثر من حمد الله والثناء 
عليه ، وشكره ، لتبقى لك النعم وتنمو وتزداد .
وإذا أتتك على ما تكره ، فوظيفتك الصبر والتسليم والرضا 
بقضاء الله وتدبيره ، لتكون غانما 
في الحالتين في يسرك وعسرك
 .